السبت , أبريل 27 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / تحقيق- نوبيون في مصر لا يرون في مقعدهم البرلماني الوحيد أملا في العودة لأرض الآباء

تحقيق- نوبيون في مصر لا يرون في مقعدهم البرلماني الوحيد أملا في العودة لأرض الآباء

من محمود رضا مراد

أدندان (مصر) (رويترز) – طيلة أكثر من نصف قرن ظل أبناء النوبة في مصر يحلمون بالعودة لأرض الآباء بعد تهجيرهم منها .. وهم لا يرون في مقعدهم الوحيد في البرلمان الجديد أملا في تلك العودة.

هم لا يرون المقعد كافيا. ورغم أنهم معروفون بأنهم مجتمع مسالم لا يميل للقلاقل.. ينذر الإحباط المتزايد بين شبانه مما يعتبرونه تجاهلا من الدولة بغليان قد لا يظل مكتوما حسبما قال بعض السكان.

مقعد النوبة سيضمن لأبنائها تمثيلا برلمانيا لأول مرة منذ 33 عاما لكن لا يعول كثيرون على نائبهم الذي سيدخل المجلس النيابي بعد الانتخابات التي بدأت يوم الأحد في حل مشاكل تراكمت على مدى أكثر من مئة عام.

يظن كثيرون أن مشاكل النوبة بدأت مع بناء السد العالي على نهر النيل في أسوان في ستينيات القرن الماضي لكن الحقيقة أنها بدأت منذ أكثر من مئة عام عندما بني خزان أسوان الذي افتتح عام 1902 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني.

وتسبب ذلك الخزان وتعليته مرتين عامي 1912 و1934 في تهجير جزئي لبعض قرى وسكان النوبة وتآكل مساحة الأراضي الزراعية وهو ما استتبعه نزوح بعضهم للقاهرة ومدن أخرى بحثا عن فرص عمل بعد أن غمرت مياه الخزان أراضيهم ومنازلهم.

وتفاقمت المشاكل عندما هجرت الحكومة الأهالي قسرا من قراهم الأصلية في المنطقة الواقعة بين جنوب أسوان وحدود مصر الجنوبية بسبب بناء السد العالي الذي افتتح عام 1970. وتحولت منازل ومعظم أراضي النوبة التاريخية لما يعرف حاليا ببحيرة ناصر التي تكونت خلف السد.

* تعويضات غير كافية

نقلت الدولة عام 1964 سكان 44 قرية نوبية إلى منطقة جديدة شمال السد سميت مركز نصر النوبة بوادي كوم امبو في أسوان في إجراء خلف الكثير من المشكلات.

وتعهدت الحكومة آنذاك بتعويضهم عن منازلهم وأراضيهم لكن تتعالى الشكاوى من أن التعويضات لم تكن متناسبة مع حجم ومقدار الممتلكات. كما تشكو بعض الأسر التي انتقلت للمدن للعمل أو التعليم من تجاهل الدولة لها رغم أنها كانت تمتلك أراضي ومنازل في النوبة وتقول إن الدولة لم تعوض إلا القلة القليلة منها.

وخلال زيارة قامت بها رويترز لنصر النوبة التي تبعد حوالي 42 كيلومترا عن مدينة أسوان قال مصطفى عبد القادر (75 عاما) الذي ولد وعاش في قرية أدندان القديمة قبل انتقاله للقاهرة للالتحاق بالجامعة “تعاطي الدولة المصرية مع الموضوع النوبي لم يرق إلى تضحيات النوبيين حتى الآن .. على كل الأصعدة.”

وتحمل قرية أدندان نفس اسم قرية نوبية قديمة كانت تقع على خط الحدود بين مصر والسودان.

وقال عبد القادر الحاصل على الدكتوراه في أثر تهجير النوبيين على طقوس حياتهم “ما قدمه النوبيون للدولة كثير. مجتمع بالكامل يفقد أرضه وماله ومسقط رأسه وتراث أجداده ومقابر أجداده وبلاده وبلا أدنى مقابل. يطيع الدولة وينتقل لمنطقة توطين أخرى. هي تضحيات لم يقابلها حتى الآن أي شيء من الدولة.”

وتفاقمت الأزمة على مدى سنوات نظرا لتزايد أعداد النوبيين مع ظهور أجيال جديدة من الأبناء والأحفاد.

ودفع حلم العودة مجموعة من شبان قريتي أدندان وقسطل لتأسيس جمعية تعاونية زراعية بهدف استزراع أراض في منطقة النوبة القديمة قرب حدود السودان لكنهم قالوا إن السلطات رفضت في ابريل نيسان الماضي السماح لهم بدخول المنطقة بدعوى أنها منطقة حدودية.

وقال عبد القادر عن رد فعل أجهزة الدولة “للأسف اللي بيحصل … انهم بيعاسكوا الشباب في انهم يعملوا أي حاجة في المنطقة.”

ووفقا لإحصاء أجرته الحكومة في أوائل الستينيات بلغ عدد النوبيين في مصر نحو 99 ألفا بينهم 48 ألفا مقيمون في النوبة ونحو 50500 في المدن. وكان عدد الأسر المقيمة بالنوبة 16800 أسرة وعدد الأسر المغتربة ما يقرب 8500 أسرة.

وتمثلت التعويضات في منازل وأراض صغيرة في منطقة نصر النوبة التي يقول النوبيون إنها لا تمت بصلة للبيئة التي نشأوا فيها. كما يشكون من تشبع تربتها بالمياه الجوفية وهو ما يلحق أضرارا بالغة بالمنازل ويجعلها تحتاج إلى تجديد وإحلال كل بضع سنوات.

وهم يشكون كذلك من افتقار المنطقة للخدمات والاستثمارات الحكومية أو الخاصة وقلة الأراضي الزراعية الخصبة وعدم وجود مساحة كافية لاستيعاب التزايد السكاني وهو ما يدفع الشبان والرجال للسفر للمدن بحثا عن العمل حتى أن البعض يقول إن قراهم تكون معظم الوقت قرى للنساء والأطفال والمسنين فقط باستثناء فترات الأعياد.

* مقعد وحيدبرلمان مصر2015

كانت نصر النوبة دائرة انتخابية بمقعدين في البرلمان حتى عام 1982 حين ألغت الحكومة الدائرة وضمتها لدائرة كوم امبو الانتخابية وأغلب سكانها من العرب والصعايدة. وأعاد قانون تقسيم الدوائر الجديد دائرة نصر النوبة لكنه خصها بمقعد واحد فقط بالبرلمان.

وقال خالد هاشم (35 عاما) وهو مهندس زراعي بقرية أدندان النوبية لرويترز “من بدري كنا بنطالب بالمطلب ده والحمد لله دلوقتي اتحقق.”

لكنه استدرك “النائب وحده مش هيقدر.. لازم سياسة الدولة تتغير. بدون سياسة الدولة مش هيقدر يعمل أي حاجة.”

وقال عبد القادر “هو مش المشكلة أن يكون فيه نائب… الفكرة مش في وجود النائب.. الفكرة إنهم يسمعوا للنائب.”

أما فوزي صالح وهو نوبي مقيم بالقاهرة ويرأس جمعية خيرية تحمل اسم قرية أرمنا النوبية “كان لازم النوبة تشيل هذا العبء. إحنا ارتضينا بهذا باعتبار إن احنا مواطنين. إنما كانت المشكلة إن لازم يبقى فيه تعامل عادل مع عملية التهجير.”

وأضاف “مفيش إرادة سياسية حقيقية لحل المشاكل. المدة الطويلة دي خلقت شيء من عدم المصداقية وخلت الناس مش مقتنعة بأي حاجة تقولها الحكومة.”

لكن عبد الله شفا (56 عاما) عمدة قرية أدندان يبدى سعادته بتخصيص مقعد برلماني لنصر النوبة وقال إن النائب القادم “على الأقل بيوصل صوتنا للدولة في مطالبنا.”

ويتنافس 13 مرشحا نوبيا على الفوز بمقعد دائرة نصر النوبة من بينهم مقيمون في المدن. وليس من بينهم أي من أبناء أدندان حيث لا توجد طرق ممهدة والبيوت من طابق واحد يبدو التهالك على الكثير من جدرانها بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية.

وخلت القرية من مظاهر الدعاية واللافتات الانتخابية رغم أن أسوان ضمن 14 محافظة ستجري بها المرحلة الأولى للانتخابات التي بدأت يوم الاحد وتستمر الاثنين. وستجري المرحلة الثانية والأخيرة في 13 محافظة يومي 22 و23 نوفمبر تشرين الثاني.

ويقول محمود عليان رئيس مركز ومدينة نصر النوبة إن عدد سكان المنطقة المقيمين يبلغ نحو 89500 شخص من بينهم 68 ألفا يحق لهم التصويت. ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد النوبيين في مصر نظرا لانتشارهم في الكثير من المدن.

ومن ضمن ما يشكو منه النوبيون عدم اهتمام الدولة الكافي باللغة النوبية والثقافة والتراث النوبي بما يتناسب مع حجم هذه الثقافة.

وقال عبد القادر المتخصص في الثقافة والتراث النوبي “كانت هناك منظومة متكاملة من العادات الاجتماعية تحكم الحياة في منطقة النوبة القديمة. وأساس البيئة في منطقة النوبة كان النيل” الذي قال إنه كان قاسما مشتركا في طقوس الزواج والإنجاب في النوبة القديمة لكن هذا تغير نتيجة الابتعاد عن النهر.

ورغم ذلك لا يزال المجتمع النوبي متمسكا بما تبقى من طقوسه وتراثه وحتى أطعمته. ولا تزال الأعراس تقام على أنغام الأغاني والأهازيج النوبية وتتخللها الرقصات النوبية. ولا يزال كثير من النوبيين يجيدون اللغة النوبية لكن كثيرا منهم خاصة الصغار الذين ولدوا في المدن لا يعرفون عنها شيئا.

ومع أن في الدستور الذي أقر العام الماضي مادة تقول “تعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات وذلك على النحو الذي ينظمه القانون”

فإن البعض يحذر من غضب الشباب إذا استمرت الدولة في نهجها الحالي.

وقال شاب يدعى محمد عز الدين يقيم في القاهرة وكان يقضي عطلة بالقرية “لا نضمن استمرار الأبناء على نفس نهج الآباء. أكيد هيحصل تمرد -مش على الدولة- تمرد في داخل أنفسهم وهذا يضر بالوطن.”

لكن مصطفى يسرى محافظ أسوان أكد على “عدم وجود أى تعنت من الدولة تجاه النوبيين لأنهم فى المقام الأول مواطنون لهم كل الحقوق وعليهم كافة الواجبات.”

ورغم تأكيدات المحافظ مازالت نبرات الاستياء تبدو في بعض الأصوات.

وقال شاب طلب عدم نشر اسمه “المسكنات بقت كارت محروق. هنيجي عند حد معين ومتعرفش إيه اللي هيحصل.”

(تحرير أمل أبو السعود وسيف حمدان ومنير البويطي)

 

المصدر : الدليل السويسري

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com