السبت , أبريل 27 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار / أهالينا في الجنوب.. حكاية راجل حوّل بيته لمتحف بيحكي تاريخ النوبة

أهالينا في الجنوب.. حكاية راجل حوّل بيته لمتحف بيحكي تاريخ النوبة

حكاية راجل حوّل بيته لمتحف بيحكي تاريخ النوبة

متحف أنيماليا

لما تطلع رحلة لأسوان، وتخطط إنك تزور أكتر من مزار سياحي وتزور القرى النوبية فيها وتاخد لفة تبهرك بأسوان وناسها وتاريخها، بتبقى كل اللي بتفكر فيه قد إيه المكان ده عظيم وكان له حضارة تستحق إن الناس من برَّه وجوَّه مصر ييجوا يشوفوها ويتكلموا عنها. النوبة ليها تاريخ فوق الـ 5000 سنة، مرت بمراحل كتير وأثّر فيها كل اللي عدى عليها، من آثار فرعونية لممالك إسلامية ومسيحية، ولحد النهاردة أهل النوبة بيحاولوا يحافظوا على التاريخ الطويل ده وبيحاولوا توثيقه.

لو دخلت “TripAdvisor” الموقع المشهور بنصايح السفر، وكتبت وجهتك “أسوان”، هتلاقيه بيرشحلك المتحف النوبي “Animalia Museum” رقم 1 بين 25 مكان لازم تشوفهم لما تزور أسوان، وده بفضل التقييمات العالية اللي واخدها المكان. صاحب المكان هو عم محمد صبحي، اللي قرر يحوَّل بيته لمتحف وسماه “Animal Museum”.

عم “محمد”، واحد من أهم النوبيين اللي كانوا ومازالوا بيحاولوا يحافظوا على تاريخ النوبة، لكن هو كان لِيه أسلوب مختلف، وهو تحويل بيته لمتحف بيوثق تاريخ النوبة وتراث النوبيين. أول ما تدخل بيته، بيستقبلك بكل الترحيب وكرم الضيافة، وبيبدأ يعرَّفك خطوة بخطوة على النوبة، فـ بيشرح تخطيط جغرافيا أسوان على خريطة قدامك، وبيحددلك المناطق الأثرية والزراعية والسكنية. “النوبيين يعني الناس اللي بتعيش في جنوب مصر وشمال السودان، والجزيرة اللي احنا عليها (جزيرة ألفنتين/ أسوان) عليها 3000 آلاف نسمة كلهم نوبيين”، بالجملة دي بيبدأ شرحه المبسط اللي بيخليك قاعد مستمتع بكل المعلومات اللي بتتقالك.

تكوين البيت النوبي

بمجرد دخولك بيت عم “محمد”، بتحس إنه بيت نوبي أصيل، من أكبر حاجة لأبسط تفصيلة في البيت بتحسسك بروح النوبة، عم “محمد” بيستخدم التفاصيل الموجودة في البيت عشان يشرح عليها تكوين البيت النوبي، ونظام الأوض وشكل الحوش ومحتوياته، بيشرحلنا أكتر: “البيت النوبي مبني من الطوب اللبن اللي بيعزل الحرارة، وفيه نوعين من السقف، الأول: المسطح وده بيبقى مكون من جريد النخل، والتاني على شكل “قبوة” أو “قُبَّة” من الطوب اللبن، بحيث إنه لو مسطح، فـ بتنزل أشعة الشمس عمودية على البيت، أما لو على شكل قبوة، فتعكس أشعة الشمس، وتحس إن حرارة البيت رطبة”.

لو قعدت في الحوش (فناء مفتوح) هتلاحظ إن غرف البيت كلها بتفتح على الفناء، وده النظام في كل البيوت النوبية، وبيتحط في الحوش رمل، لإن في آخر اليوم بتقوم ربَّة الأسرة بتسوية الرمل ده عشان تاني يوم تشوف لو فيه عقرب أو تعبان دخل البيت وفين مستخبي. الحوش بيبقى فيه كل أدوات الاستخدام اليومي، زي “فرن الدوكة” اللي بيتعمل فيه العيش الشمسي، وفرن الطابونة، ورحايا لطحن الغلال، وحاجة أشبه بـ “الزير” مصنوع من الفخار لحفظ البلح الناشف.

عم “محمد” بيشوف إن اللي محتاج يفهم النوبة لازم يعرف إنها قايمة على 3 عوامل أساسية: “النخلة والمرأة والنيل”، وبيقولنا إن الـ3 عوامل دول لعبوا دور أساسي في تشكيل تاريخ النوبة والتأثير فيها وفي حضارتها، وبشرح أكتر بيقولنا: “بالنسبة للنخلة، كل جزء فيها استخدمه النوبي، على سبيل المثال “جزع النخلة” عمل منه كباري على قنوات الري عشان يعدي عليها، “الجريد” استخدمه لعمل السقف والسرير والكرسي والترابيزة وقفص الحمام وقفص الطماطم، بالنسبة لـ “السعف” أو “الخوص”، بيتعمل منه الشنط والمقاطف والحصير (السجاد)، والليف للاستحمام بناخده من النخلة برضه، والحبال لربط الحيوانات، والمراكب، ومشايات البيت من النخلة، وبتستخدم كأداة لشيل الطوب النيّ على ضهر الحمار”.

 

عم “محمد” بيقولنا إن النخلة بيتم استغلالها بأفضل شكل من أولها لحد البلح، اللي بياكله النوبي رطب في الصيف وناشف في الشتا، وبيعمل منه الخمور لاحتوائه على سكر كتير، فـ بيتخمر ويطلع كحول إيثيلي، وبيتبخر ويتقطر ويتعمل كحوليات. استخدام النوبي للنخلة وصل حتى لـ “نوايا” البلح اللي استخدمته الست النوبية كـ حُلي، وبحرق الرماد بتعمل بيه الكُحل، والكُحل استخدم كعلاج لمرض الرمد الحُبيبي.

تحصين البيت من الأرواح الشريرة

بعد ما بتنتهي من تفصيص كل تفصيلة في الحوش، بتدخل على أوضة النوم اللي اعتبرها النوبي أهم غرفة عنده، عم “محمد” بيبرر ده: “لإن النوبي كان حريص على كثرة الإنجاب، وزمان ماكانش فيه تطعيمات وتحصينات، فـ كان فيه أطفال كتير بيموتوا بسبب أمراض زي الملاريا أو الكوليرا أو البلهارسيا أو لسعة عقرب أو تعبان، أو غيرها من الأمراض، فـ النوبي بيبقى خايف يخلِّف قليل فأطفاله يموتوا، فـ كان بيخلف كتير، واللي يعيش منهم يعيش واللي يموت يموت”.

النوبي كان بيؤمن بالخرافات، أو بيعتقد إن الأرواح الشريرة بتأثر على الخصوبة، فـ تخليه يخلف بصعوبة أو تحرمه من الإنجاب، أو تخلي الست الحامل تجهض أو إن الأم مايبقاش فيها لبن كفاية لرضاعة الطفل.

“هتلاقي على جدران غرف النوم رسومات مش للديكور، وليها مغزى محدد، دي عبارة عن تمائم للحماية من الأرواح الشريرة، زي “السيفين” و”كف فاطمة” وسجادة الصلاة والهلال، دي رموز إسلامية، وفي نفس الوقت هتلاقي “صليبين”، فـ تتسائل إزاي والنوبيين مسلمين؟”

بيجاوبنا: “هما صحيح مسلمين، لكن هما قعدوا في المسيحية 800 سنة، لإنهم آخر ناس في وادي النيل دخلوا الإسلام، لكن ما زالوا محتفظين بالثوابت الدينية، حتى إن الرسومات وصلت لفترة عبادة الإله “رع” وده تبرير وجود رسومات لـ “طبقين”، وبيمثلوا قرص الشمس وهو بيعتقد إن دي بتعكس أشعة الشمس في عين الحاسد عشان تعميه”.

من المعتقدات الدينية والحضارات القديمة، لحد افريقيا اللي اقتبس منها النوبي أشكال المثلثات، لإنه هناك فيه “عبادة الأجداد” أو “عبادة الأسلاف”، اللي بيعتقد الأفارقة إن أرواحهم بتعيش معاهم عشان تحمي البيت، فـ البيوت بتكون زي مكان راحة لأرواح الأجداد، وبكده يكون النوبي استخدم كل أنواع الحماية، وبيقولك لو دي ماشتغلتش، التانية تشتغل.. على الجانب التاني دي بتدل على سماحة النوبي وإنه يقدر يتعايش مع مختلف الديانات والعقائد.

على جدران البيوت هتلاقي كمان رسومات لنخل، بتوضح أمنية النوبي في إنه يحصل على محصول زراعي جيد، لإن البلح هو وسيلة المقايضة أو النقود بالنسبة للنوبي، ورسومات الحيوانات، بتعبر عن أمنيته في إنه يكون عنده كمية كويسة من الحيوانات الداجنة، “في النوبة بنقول (البيت ده فيه خير) على البيت اللي بيكون فيه طيور زي بط ووز وحمام وفراخ، فـ لو رُحت أي بيت في أي وقت هيدبحولك ويغدوك”.

بجانب الرسومات دي هتلاقي رسومات للنيل، بتبيّن أمنية النوبي في إن النيل يكون معتدل، لا هو عالي فـ يغرَّق النوبة، ولا هو منخفض فـ مايكفيش للزراعة، بجانب النيل فيه رسومات لمشغولات ذهبية، ودي ليها هدف عند النوبي، “النوبي بيفضّل الاحتفاظ بالدهب عشان بيصرف فلوسه على ٣ حاجات: لما ييجي يبني بيت جديد، ولما حد من أولاده ييجي يتجوز، ولما يروح يحج”.

لما دخلنا نشوف أوضة النوم، كانت درجة الحرارة باردة شوية، وده سببه سقف الغرفة (القبوة)، لانه بيعكس أشعة الشمس، والشبابيك صغيرة عشان تتفادى الشمس، وبيفضَّل النوبي إنه يزخرف غرفته من وهو في سن صغير برسومات تبهج النفس.

غطيان دائرية مُعلَّقة على الجدران، ومزخرفة بألوان جميلة ومصنوعة بشكل يدوي، “يوم الفرح بنطلع للعرسان أكل على الصواني وبتكون الغطيان دي عليها عشان تحمي الأكل، وبما إن دي حاجة هتطلع برَّه البيت، فـ بتبدأ منافسة شرسة بين الستات على أحلى غطيان هتطلع من تحت إيديهم، وبيسموها “تاجدي”، ده بجانب مدى جودة الأكلات اللي هيطبخوها، وفي آخر الفرح بتهدى الستات للعروس الغطيان دي، عشان تزين بيها البيت وأهي ذكرى حلوة ليها”، بيشرح “محمد”.

المتعارف عليه في النوبة إن الراجل بيعيش مع مراته في بيتها، وبيقعد حوالي ٦ أو ٧ سنين معاها وبعدها بينقلوا بيت جديد لوحدهم، “بتتعلم فيهم العروسة على إيد أمها ازاي تشيل المسؤولية، وخلال الفترة دي الزوج بيحوّش فلوس عشان يشتري أو يأجر بيت جديد”.

بينتهي الجزء الأول من البيت وبننتقل لـ الجزء التاني منه، بتلاقي في كل ركن حاجة تخص النوبة.

مكانة المرأة في النوبة:

بعد بناء خزان أسوان في 1902 والتعلية الأولى في 1912 والتانية 1933، الأراضي الزراعية غرقت، طب والرجالة هيعملوا إيه؟ بيجاوبنا عم “محمد”: “اضطروا يسافروا القاهرة يدوروا على شغل، ويبعتوا فلوس والقرية النوبية كانت عبارة عن أطفال وعجائز وستات، فـ بييجي دور الست في خدمة الأطفال والعجائز،

وتحولت لـ موتور القرى، فـ بقت تخبز العيش الشمسي، وبتعمل الشعرية وبتجيب المياه من النيل وبتقوم بالزراعة البسيطة وكل المهام المتعلقة بالنخل، ما عدا طلوع النخل لحصاد البلح، حتى إن البنت من وهي صغيرة بتشتغل”، بيكمل: “عشان كده من جمال النوبيين إنك ممكن تقول لنوبي “محمد فاطمة” يعني محمد ابن فاطمة، وده أكيد مابيحصلش في أي مكان تاني في مصر”.


أهمية المرأة في بيت عم “محمد” ماقلتش عن أهميتها في النوبة، وبيحكيلنا عن دورها: “لما بدأت المتحف كانت زوجتي هي أكبر داعم ليا وساعدتني في تحنيط الحيوانات اللي موجودة في البيت، وكانت بتلهمني بأفكار أزودها في المتحف، عشان كده هافضل أقول إن المرأة عمود من أعمدة تاريخ النوبة وماكانتش هتفضل لولا وجودها”.

أهمية النيل في النوبة:
مصدر الزراعة الرئيسي، ومصدر السمك والطمي والمادة الأساسية لصنع الطوب اللبن، “النوبيين كانوا بيعتقدوا إن فيه ملائكة طيبين بيعيشوا في النيل، فـ بدأ النوبيين في ليلة عاشوراء يعملوا “رز باللبن” ويرموه في النيل قربان للملائكة الطيبة اللي هتدينا السعادة والخصوبة والخير،

وكل ده كان انعكاس لأهمية النيل اللي كان في البداية نعمة وتحوّل بعد بناء السد العالي لنقمة”، بيوضح “محمد” السبب إن فيه حوالي 43 قرية نوبية غرقوا تحت بحيرة ناصر، وغرقت 3 مليون نخلة من أجود أنواع النخيل. “التعويض كان 4 جنيه على كل 4 نخلات، بينما السودان عوَّضت النوبيين بتوعها على كل نخلة 20 جنيه وكانوا معترضين وبيقولوا قليل”، بيحكي “محمد”.

كل سنة بيضيف عم “محمد” جزء جديد ومهم للمتحف، عشان بيته يبقى ملم بكل حاجة تخص النوبة وتاريخها، “بقينا كل سنة بنضيف حاجة، يعني من سنتين رُحت المتحف الجيولوجي في القاهرة عشان أعرف أكتر عن الصخور والمعادن اللي موجودة في أسوان وبالفعل أخدت معلومات عن كل حاجة، ورجعت بيها على هنا عشان أضيف حاجة جديدة ومهمة للمتحف”.

بالنسبة للصخور، خصص عم “محمد” ركن للصخور الموجودة في أسوان، منها “الحجر الرملي” وبيقولنا إن تم بناء كل المعابد من الحجر ده، ما عدا معبد حتشبسوت واتبنى من الحجر الجيري، لإن الجبل هناك من الحجر ده، والجرانيت اللي اتعمل منه المسلة الناقصة في أسوان، والكوارتز اللي بيعتبر من أصلب المعادن بعد الألماس وبيحتوي جوَّاه على الدهب.

“أغلب الألوان اللي في المعابد عبارة عن صخور، على سبيل المثال: الحجر الجيري كان للون الأبيض، والهيمتايت (أكسيد الحديد الأحمر) للون الأحمر، الليمونيت (أكسيد الحديد الأصفر) للون الأصفر، والميجناتيت للون البني.. وعشان هي صخور طبيعية فـ ده مبرر واضح لاحتفاظ أغلب المعابد بألوانها لحد دلوقتي”

عم “محمد” صاحب الـ 68 سنة، عمل المتحف من ١٤ سنة لتوثيق تاريخ النوبة وحضارتها، والفكرة جاتله هو ومراته في 2004. “أنا في الأصل مرشد سياحي إسباني إنجليزي وده ساعدني في إني أتواصل بسهولة مع الأجانب، وأوصل لهم أكبر عدد ممكن من المعلومات”

الإضافة الجديدة السنة دي، إنه خصص ركن لتاريخ الملوك والملكات والآلهة اللي عدوا على النوبة، بترتيب تاريخي مع معلومات مفصلة عن كل ملك وملكة. ونصيحة للي ناويين يسافروا أسوان، لازم تزوروا المتحف ده وتستمتعوا بكمية المعلومات اللي هيقولها الراجل النوبي الجميل، واللي هيخليكم تحبوا النوبة وأهلها وتفاصيلها وحضارتها.

 

المصدر : الفصيله

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com