الإثنين , أبريل 29 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / ثروة النوبيين القاموسية–قاموس مكي على ادريس

ثروة النوبيين القاموسية–قاموس مكي على ادريس

عمرو محمد عباس محجوب

صدر عن مركز الدراسات النوبية والتوثيق، عام 2015، قاموس اللغة النوبية (محس- فاديجا) من اعداد مكي على ادريس وخليل عيسى خليل، إضافة كبرى لمسيرة طويلة بدأها المغفور له محمد متولي بدر بكتابه المرجعي اللغه النوبية والذي صدر عام 1955، ثم قاموس اللغه النوبية والذي يظل مخطوطا بخط اليد، ثم تتالت القواميس المختلفة. يأتي احتفائي واهتمامي بمثل هذه الاعمال: اولاً: كمهموم بإثراء التنوع السوداني في كافة جوانب سياساته وثقافاته، وباحث حول الثقافة السودانية البديلة للخروج من ربقة ثقافة الوسط الاقصائية، وثانياً: كنوبي يسعى مع كافة المهتمين والسكان النوبيين للتعبير عن لغتهم، ثقافتهم ونمط حياتهم ضمن النسيج السوداني العام.

الاحياء الاول لبعث اللغة النوبية

عندما بدأ المغفور له محمد متولي بدر في عمله الرائد منذ اربعينات القرن السابق، حيث طلب نقله إلى منطقة بلاد النوبة المصرية، مفتشاً لدائرة عنيبة للتعليم الاولي حتى عام 1959، كانت بلاد النوبة في جزئيها السوداني والمصري، بلاداً عامرة بالبشر والحياة، وكانوا يعيشون حياتهم ويعبرون عنها بلغتهم التي كانت قد تقهقرت لتنحصر بين اسوان وحتى دنقلا. للاسف، وكما هي العادة في بلادنا، يكتب الكاتب اعماله ولكن لايحدثنا كيف انجزها، الصعوبات التي واجهها، دواعي اهتمامه بها، إلا لماماً. لكن اعطانا المؤلف خلفية كاملة عن السكان، الجغرافيا واللغة وتناولها ببحث طويل في اكثر من ثلاثين صفحة من مائتي صفحة.

عندما راى كتابه النور كانت المنطقة النوبية على شفا تغيير سوف يصيب أول ما يصيب لغتها. فقد تم تهجير اهل حلفا إلى وسط السودان وتهجير النوبة المصرية لشمال اسوان. إنقطعت صلة العالمين بارض خلاء من حلفا الصامدة حتى اسوان. وسوف يدفع شغف النوبيين بالمعرفة وإندفاعهم للإلتحاق بالمدارس، المؤسسة على الثقافة العربية واقصاء كافة لغات اقوام السودان، الثمن الغالي في فقدان اغلب ابنائهم للغتهم الام. وسوف يؤدي تهميش بلادهم وحرمانها من التنمية والتقدم، لهجرات كبرى للمدن الحضرية في دواخل السودان وبعدها الهجرة الكبرى لبلاد الاغتراب من بلاد النفط وحتي حواري نيويورك.

سوف يدرك محمد متولي بدر واشار لهذا عن المخاطر التي تحيط باللغة، الثقافة وطرق حياة النوبيين في منطقتهم، يبدو هذا من الحب والشغف الذي يسود جنبات الكتاب، وسوف يواصل كل الذين سوف يطرقون هذا الدرب هذا الولع الشديد، الحب العامر والشغف المتدفق حين يتناولون لغتهم، ثقافاتهم وتقاليدهم. سوف يواصل المؤلف رحلته ويصدر أقرأ النوبية عام 1976، حكم وامثال النوبة عام 1978، ثم يعكف على إنجازه الهام والموسوعي والذي اعده الاحياء الاول لبعث اللغة النوبية القاموس النوبي العربي مرتب على الابجدية النوبية، يقع في اكثر من 700 صفحة وحوى نحواً من ثمان عشرة ألف كلمة نوبية. على نفس النسق يجيء القاموس النوبي من اعداد يوسف سمباج وهو قاموس نوبي عربي انكليزي وميزته انه يشمل لهجات المحس فديجا والدنقلاوية الكنزية، إصدار مكتبة الشروق، القاهرة.

الاحياء الثاني: كتابة اللغة النوبية

عندما اصدر محمد متولي بدر اعماله الرائدة، اعاد الاعتبار للغة في كتابه “اللغة النوبية” والتي استعمل فيهما الكتابة باللغة العربية والبعض بالحروف الإنجليزية .كانت اللغة النوبية استمرت قروناً عدة شفاهة، بعد أن فقد النوبيين حرفهم، لكن اصرار الشعب، انحصاره الجغرافي وعظم الإرث والتاريخ والثقافة، كانت الاسباب التي ادت لحفظ لغة تعرضت لضغوط متعددة على مر الاف السنين. كل ذلك كان مقدوراً عليه باستراتيجيات بسيطة من الانعزال عن العالم وساعدتهم الجغرافيا، من الصحراء على الجانبين، صعوبة الملاحة على النيل لوجود الجنادل، القوة العسكرية في ممالكها المختلفة، تضييق الزواج المختلط خاصة زواج النوبيات من الاغراب.

وسوف يقيض الله للغة النوبية احد ابنائها، كان له اهتمام حقيقي باللغة النوبيه، الدكتور عبد القادر شلبي. عندما قابل شلبي في تسعينات القرن الماضي، الدكتور مصطفى عبد القادر من أدندان في النوبة المصرية، وكان يحمل معه حروفاً قال إنها هي الحروف النوبية التي كانت تكتب بها اللغة النوبية في العصر المسيحي، وبدت لشلبي أقرب إلى الحروف في اللغات الأوروبية، ولكنه أكد له إنها الحروف النوبية التي كتب بها في القرون الميلادية في عصر النوبة المسيحية، وعين له دارساً نوبياً هو الدكتور محمد خليل كبارة في القاهرة يعرف الدليل.

قابل شلبي الدكتور كبارة الذي دعاه إلى منزله في إمبابة، ليرى مكتبته وبها عدد من أوراق البردي وجلد غزال مكتوب عليها باللغة النوبية من العهد المسيحي. كانت اللغة حسب كبارة خليطاً من (المتكية والفديجا والمحسي والأشكرين). وقد اصدر كبارة كتابة لاحقاً، وتولت الدكتورة ماجدة محمد أحمد بالتعاون مع أسرة المرحوم نشر الكتاب بواسطة مركز الدراسات النوبية والتوثيق. اصبحت الحروف التي اقترحها المغفور له محمد خليل كبارة هي الحرف النوبي المكتوب المعتمد، والتي سوف تؤسس لقواميس جديدة.

سوف يغير هذا الحدث الهائل – كتابة اللغة- في تاريخ اللغة النوبية والنوبيين من إعادة تموضع اللغة في السياق الوطني والاقليمي. لقد جلب للنوبيين الفخر، الاعتزاز والشعور بالانتماء لحضارة طالما شاهدوها في المتاحف وفي كتب التأريخ. سوف يغير هذا الحدث ايضا تعاملنا مع اللغة النوبية ومفاهيمنا للابد. سوف تتغير طريقة عرض الكتب التي تتناول الامور النوبية ويدخل الحرف كجزء من كل الاعمال. حسب بحث في الانترنت، وجدت عديداً من القواميس المختلفة، منها القاموس المصور بالحرف النوبي تأليف واعداد الشفيع الجزولي، القاموس النوبي من اعداد يوسف سمباج المذكور سابقاً في عهد قبل الحرف النوبي.

الاحياء الثالث لبعث اللغة النوبية

تصدى نفر غير قليل من بعد كتابة اللغة النوبية من على جانبي الحدود، رجال ذوي عزم شديد، ارادة صلبة وتضحيات في تطوير الوسائط اللغوية من امثال محمود ساتي، عبر استخدام تقنية الاتصالات الحديثة من جوال وكومبيوتر. تطوير خطوط لكتابة اللغة النوبية بالحرف النوبي علي الكمبيوتر من مثل خط إبريم، والنسخة المعدله عن خط إبريم بواسطة البروفيسير هيرمان بل Herman Bell، وصوفيا نوبيان Sophia Nubian Font.

ابرز ابعاد البعث الثالث كان قيام مركز الدراسات النوبية والتوثيق، وغيرها من المراكز، الاهتمام الواسع بتدريس اللغة في العديد من الاندية، إنشاء الموقع المتخصص “نبتا دوت اورج”، الأستاذ عبد العظيم محمد علي الذي صمم أول برنامج توثيقي للغة النوبية وقام بتدريسها في منتديات دنقلا لتعليم اللغة الدنقلاوية، انشاء العديد من المنتديات النوبية الأخرى. في نفس الاتجاه قامت السلطات المصرية بادخال اللغة النوبية في مناهجها عام 2014 –2015. كما تم إنشاء قسم يتناول التراث النوبي بكلية الآداب، جامعة جنوب الوادي كأول قسم أكاديمي متخصص في الدراسات النوبية.

مكي على ادريسقاموس اللغة النوبية (محس- فاديجا) من اعداد مكي على ادريس وخليل عيسى خليل

جاء مكي نتاجاً لزواج الدنقلاوي علي إدريس بلال وفاطمة الشيخ المحسية، وولد وتربى وعاش في عبري، وهكذا تشرب اللهجتين (الدنقلاوية والمحسية). عاش مكي اغلب حياته على ضفاف النيل في المنطقة، عاملاً منذ بواكير صباه في “مطعم” الخال عثمان الشيخ –رحمه الله- ليدخل أجواء السوق المكتظ. هناك، شخصية محورية لوّنت ميول مكي علي إدريس في تلك السنوات الضبابية، تلك هي” آشه أبدون”، جدّته لأمه، واستعمرت خياله البسيط بقصصها ونوادرها التي لا تنتهي، أماّ أهم ما رضعه منها فهي اللغة النوبية، المحسية المطعّمة بلون الأرض. دارس مكي في المدرسة الأولية، ثم المدرسة الوسطى بعبري، انتقل بعدها لدنقلا الثانوية.

يؤرخ مكي اول محاولاته الشعرية، في مذكرات نشرت في موقع منتديات عبري تبج وبعض المواقع النوبية، وكانت مرثية عندما غرق شقيقه الاصغر” مبارك” في جدول مشروع عبري. سوف تتفح مواهب مكي الفنية والشعرية من خلال منافذ كانت توفرها المدارس من خلال مناشطها خارج الصف، المسرح المدرسي وكذلك الاندية المختلفة مثل “نادي عبري” والتي سوف يحملها معهم النوبيين اينما حط بهم الرحال واندية الروابط المختلفة التي تنتشر في الخرطوم والمدن الكبرى. سوف توصله هذه المنابر للإذاعة والتلفزيون، وهو لازال طالباً، وكذلك للمسرح القومي، حيث تغني بأغنية (نوقسنا) من أغنياته الخاصة، ثم أغنية (وو إركل آقجكو) للفنان حسين لالا، وأغنية (بلدينا) للفنان وردي، والتي غناها معه مع الكورس الفنان محمد وردي.

بعد حصوله على الشهادة السودانية، عمل في سلك التدريس الابتدائي، بعد تدرّيب في معهد التربية بشندي (كورس تمهيدي)، في أواخر 1970م، ثم معلّماً بمدرسة صيصاب الإبتدائية، مدرسة عبري الإبتدائية،

مدرسة كجبار الابتدائية المختلطة، حتى يوليو 1973م، حيث تمّ نقله تعسفياً إلى مدرسة المنطقة والنور، ملتحقاً بمعهد التأهيل التربوي، بعطبرة. سوف تتوطد معرفة مكي باللغة النوبية معايشة، شعراً، غناءاً وغوصاً في احشائها. هذه المعرفة العميقة سوف يرفدها بالامكانيات البحثية العلمية عندما إلتحق بمعهد الموسيقى والمسرح منتدباً من وزارة التربية والتعليم وتخرج عازفا للكمان.

اخترق مكي مجال الغناء النوبي مبكراً، وكما عبر فقد كان المجال قد انفتح امام الفن النوبي “حظيت الأغنية النوبية بفرص انتشار واسعة في أجهزة الإعلام، من خلال فنانين قوميين كالفنان محمد وردي والفنان زكي عبد الكريم، والفنان إدريس إبراهيم، وغيرهم، وعن طريق الجاليات النوبية في مدن السودان المختلفة، التي درجت على ممارسة طقوسها الغنائية النوبية، جنباً إلى جنب مع الأغاني ذات النصوص العربية. ثم بدأ في كتابة أغنياته الخاصة وجاءت أغنية (حنينه مادلي)، وتتالت الاغنيات من غنية (نوقسنا)، أغنية “عديلة” في 1973م وغيرها. من مسيرته الفنية بكل هذه الخلفية سوف يتصدى للبحث والتنقيب عن لغة النوبيين ويخرج لنا قاموس اللغة النوبية (محس- فاديجا).

قاموس اللغة النوبية (محس- فاديجا)

كل الذين كتبوا القواميس، لكل اللغات، كان بينهم مشترك من الولع، الافتتان، الشغف والحب للغة، وكلهم كانوا غائصون لاعناقهم في الاحتكاك الشديد والمعرفة الدقيقة بالسكان الذين يتحدثون هذه اللغات، يعيشون بها ويودعونها كل اشجانهم، افراحهم، اتراحهم والبيئة المحيطة بهم. لم يكن مكي على ادريس سوى امتداد لهؤلاء. كل القواميس انجزها افراد تميزوا بالحب والارادة للغة التي جمعوها، عبر اعوام من البحث والتنقيب.

لم يكن مكي على ادريس غريباً على اللغة، والبحث العلمي فقد عاش معظم حياته الاولى في ضفاف القرى النوبية، وتشرب روحها، ومن ثم درس في الموسيقي في اعرق مؤسسات الموسيقى في السودان. بعدها تناول اللغة شعراً وغناءاً. ورغم أن الكتاب لم يعطنا سوى لمحة قليلة عن هذا الجهد الذي استغرق من المؤلف عقوداً من حياته، وهو نقص شائع عند الكتاب السودانيين عموماً، وربما النوبيين بشكل خاص، لأنهم لا يحسنون الحديث عن جهدهم، ويخجلون منها تماماً. هذا الجانب مهم في العمل البحثي لأنه ينقل التجربة من المؤلف للاجيال القادمة الذين يودون السير في نفس الطريق.

العمل الهام الذي قام به مكي لم يكن في اكتشاف الكلمات نفسها او الجري ورائها من مصادر متنوعة، فقد حوى القاموس حوالي ست الاف كلمة، أي ثلث قاموس محمد بدر، وحوالي الفي كلمة او اكثر من جذر الكلمات وهو اضافة جديدة للقاموس، لكن التأريخي في هذا القاموس هو كتابة كل هذه الكلمات باللغة النوبية على الحرف الذي توصل إليه المغفور له محمد خليل كبارة. لدينا الأن ذخيرة كبرى من الكلمات النوبية في اصلها اللغوي. وهذا في حد ذاته عمل موسوعي كبير تقوم به المؤسسات وليس الافراد، لكن تصدى لها مكي بشغف، جسارة وبتضحيات.

قدم القاموس مختصراً لما يمكن أن نطلق عليه “قواعد اللغة النوبية” والذي اعتقد انها تحتاج لبحث من نوع مختلف، نستفيد فيه من علوم اللغات الاخرى وكيف طورت قواعدها وتضع اجرومية كاملة. اعتمد القاموس الترتيب حسب الابجدية النوبية وتم اعتماد اللغة العربية “كلغة شرح” وكتابة الكلمات بالعربية ومن ثم النوبية تسهيلاً للناطقين بالعربية. لكن مع هذا فقد خلت الكلمات العربية من التنوين، وهو هام جداً في لغة بها الكثير من الكلمات التي تتكون من نفس الحروف، لكن يختلف معناها بتنوينها. واعتقد يمكن ان يتم تدارك هذا في الطبعة الثانية.

أيضاً احتوى الكتاب على ذخيرة من الصور كشرح للكلمات او كجماليات، والجيد ان الطباعة حافظت على الالوان بشكلها الطبيعي. هناك بعض الهنات التي اقترح اعادة النظر فيها عند انجاز الطبعة الثانية. برغم علاقة المقالات بموضوع القاموس، وأن كتابها من مثقفي النوبيين، إلا أن مكانها ليس في القاموس. كما أنه من المهم تبويب القاموس حسب حروف الكلمات وتوضع في أعلى كل صفحاته، لسهولة الوصول للكلمات المقصودة.

قواميس النوبيين إلى أين؟

بين الحين والاخر نجد قاموساً جديداً أضيف ويقوم بها نوبيون ذوي ارادة وشغف، سوف تستمر هذه الظاهرة حتى يستطيعوا أن يوجدوا مؤسسة من مسئولياتها العمل على هذا المشروع. في كتاب “هوامش حول الفرعون وردي لمؤلفه محمد عوض الله حمزة، اصدارات فارس للطباعة والتغليف”، جاءت اشارة مقتضبة للمجمع النوبي من الراحل وردي، “في المجمع النوبي للغة وهذا سوف يحقق تداخلاً جميلاً بين الكنوز، الفدجة، حلفا، سكوت، المحس والاوشكر في دنقلا لأن تدرس كلغة واحدة نوبية بدون فرز”.

طرحت في مقالة تآملات نوبية (3): المجلس اللغوي الثقافي ضمن نظام فيدرالي، كإطار سياسي واجتماعي عام لنظام الحكم المطلوب في السودان “إﻗﺎﻣﺔ ﻧﻈﺎم دﻳﻤﻘﺮاﻃﻰ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻳﺄﺧﺬ ﻓﻰ اﻟﺤﺴﺒﺎن اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻰ واﻟﻌﺮﻗﻰ واﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﺠﻨﺲ واﻟﻠﻐﺔ، واﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻨﺴﻴﻦ ﻟﺪى ﺷﻌﺐ اﻟﺴﻮدان”. يوفر المجلس اللغوي الثقافي النوبي، ضمن اطار فيدرالي حقيقي ونظام حكم مدني ديمقراطي، افضل الحلول الممكنة في ظل التطور السياسي الحالي. لدينا في ايدينا اخيراً لغة منطوقة تتميز بسمات متعددة وفريدة. ثم هي اصبحت مكتوبة بحروف –سواء اتفقنا على اصلها او لم نتفق- محددة وواضحة. هذه هي مستلزمات اللغة الحية وقد سبقتنا تجارب من اللغة السواحيلية، العبرية والتركية التي احييت في انساق جديدة منذ عقود قليلة. ضمن هذا يأتي المجمع اللغوي النوبي.

المجمع اللغوي النوبي

كانت الأكاديمية الفرنسية اول المجمعات اللغوية، وتم إنشائها عام 1635، ونصت المادة الرابعة والعشرين من القانون “الغرض الأساسي من الأكاديمية أن تعمل بكل عناية ونشاط لتضع قواعد للغتنا، ولتكفل صفاءها وبلاغتها ومقدرتها على الوفاء بمطالب العلوم والفنون. المادة السادسة والعشرين تقتضي الأكاديمية وضع قاموس وقواعد أجرومية، وقواعد للبيان وأخرى للشعر”. على نسقها قامت المجمعات اللاحقة.

سوف يتكون المجمع من نوبي مصر والسودان (على غرار مجمع اللغة العربية المكون من كافة الدول العربية)، ويشملون نوبيى شمال السودان، جبال النوبة، الميدوب، البرقد وحلفا الجديدة، ومن ممثلي مهاجرهم، يتم اختيار اعضائه من الضليعين في اللغة النوبية حسب قواعد ثابتة. سوف تكون مهام المجمع حاسمة في السنوات الاولى من أنشائه في غربلة كل المجهودات السابقة لوضع قواعد اللغة، والمفردات، واللفظ، والنقحرة (النقل الحرفيّ) والإملاء في اللغة، بما في ذلك الاستحداثات اللغويّة وملاءمتها لعصر التقنيّة والحوسبة المتطوّر؛ إعداد قواميس ومعاجم عامّة ومتخصّصة وغيرها.

سوف تكون من المهام العاجلة للمجمع مراجعة كافة كتب مناهج تعليم اللغة النوبية والتي طورها رواد في مختلف الاماكن وكانت أساساً للتعليم في المراكز المختلفة طوال السنوات الماضبة، والوصول لمنهج موحد وبسيط وعلمي. ربما تكون من مهامها ايضاً تجهيز مواد تدريب المعلمين وسبل التقويم. ربما أيضاً سوف ينسق المجمع الجهود المبذولة في الاعتراف باللغة النوبية من قبل شركات الكمبيوتر، الجوالات وغيرها لاعتمادها كلغة تطبيقات وامكانيات الترجمة المتاحة بين اللغات.

تعتمد اللغة في تطورها على امكانية ان يجد المتحدث بها نتاجات علمية وادبية، اغنيات مسجلة واشعاراً، مقالات، روايات وغيرها. رغم وجود عدة منتديات نوبية فكلها، سوى واحدة، تعتمد العربية في حواراتها، كلنا نكتب بالعربية في معظم انشطتنا الثقافية والعلمية. سوف نحتاج لعملية تنويب كبرى في مخاطباتنا في المنتديات، الكتابة بالنوبية في شتى المجالات او ترجمتها، حركة ترجمة واسعة لكتابة عيون الانتاج النوبي من قبيل “صواردة شو” لمحمد وردي، اشعار ابراهيم عبدة، مكي علي ادريس وغيرهم من المبدعين، جمع الاحاجي النوبية “كمنجيق” وغيرها.

نلاحظ في العمل اللغوي النوبي اعتماده الكبير على تطوع شابات وشباب رائعين، او مجموعة اشخاص مدفوعين بالحمية والحماس، كانت تجربة مركز الدراسات النوبية والتراث بالقاهرة، تجربة مؤسسية هامة اضافت الكثير في المجال، لكنها رغم ذلك ظلت محدودة لمهمة التآصيل لاعادة احياء لغة. وقد طرح د. محمد جلال هاشم انشاء معهد الدراسات النوبية، عبارة ﻋﻦ مؤسسة أكاديمية متخصصة للدراسات فوق الجامعية في مجالات علم النوبيولوجيا ( اللغات النوبية، الأنثربولوجيا والفولكلور والتاريخ والآثار. لدينا مهام انجزتها اللغات في قرون عديدة من بحاثة وفلاسفة وعلماء لغات، لكننا نمتلك هذه التجارب كما نمتلك الوسائط العديدة من وسائل التكنلوجيا التي تجعل هذه المهام اكثر يسراً. لكن أي تصدٍ لهذا يحتاج منا لخلق وانشاء مؤسسات حقيقية تقوم بهذا الدور الكبير.

 

المصدر : جريده حريات 

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com