الجمعة , أبريل 26 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / تراث و مجتمع / «إيه حكاية النوبة دي؟ والنوبيين عايزين إيه؟»

«إيه حكاية النوبة دي؟ والنوبيين عايزين إيه؟»

كتب : رامي يحي

ناس كتير مايعرفوش أي حاجة عن النوبة، وإيه هي مشاكل النوبيين ولا عايزين إيه؟، فيه اللي بيدور وفيه اللي مطنش.. وفيه اللي بيصدق أي كلام يتقال له، كلامي هنا موجه لأي حد عايز يعرف، أما اللي بايع دماغه لأحمد موسى وعكاشة وأمثالهم.. ومهتم بمعركة “مرتضى- أديب” فده ربنا معاه، لإنه في الآخر برضه مش هيصدق غير إن النوبيين إخوانجية انفصاليين بيتمولوا من إيران لتنفيذ مخطط صهيوأمريكي فلبيني مشترك.حكايه النوبه و التهجير

النوبة يا سادة هي واحدة من أقدم الثقافات في العالم، وبتواجه شبح الاندثار بسبب تعنت الحكومة المصرية المرتكز في أساسه على نزعة عروبية متعالية على أصلنا الإفريقي، وهي النزعة اللي تمسك بيها النظام السوداني فأدت لانهيار السودان وتقسيمه لجزئين، حتى الآن، في حين بتتجاوزها دلوقتي كل من الجزائر والمغرب، فساهم ده بشكل كبير في دعم وتقوية روح المواطنة.

الموضوع عند الدولة مش بس نزعة العروبة السخيفة، اللي أدت في وقت من الأوقات لمحو اسم “مصر” بشكل رسمي، وحظره حتى من الأغاني بقرار غير مكتوب، إنما كمان فيه مصالح اقتصادية كبرى متعلقة بالمنطقة دي، فغير الخصوبة الشديدة للتربة واتساع الرقعة الزراعية.. غير كمان الثروة السمكية الرهيبة اللي تقدر تخلي السمك في مصر من أرخص البضائع، كمان المنطقة دي غنية جدًا بالمعادن وأشهرها الدهب، وهو المعدن الرئيسي في المنطقة وهو سبب تسمية المنطقة بالاسم ده، لأن الدهب في اللغة المصرية القديمة كان اسمه “نوب”.

الموضوع عند النوبيين مش انفصال ودولة نوبية والكلام الفاضي ده، لأن ببساطة لو عايزين ننفصل نقدر نعمل ده بدون أي مشاكل مع الدولة المصرية نهائي، أراضي مملكة النوبة التاريخية أغلبها بيقع في الأراضي السودانية، والموجود في مصر لا يصل لـ 25% بأي حال من الأحوال، يعني ببساطة مع شعب مسالم ورايق زي النوبيين ممكن نسيب الحتة دي لمصر ونسافر كلنا ع السودان نخوض معركة الانفصال دي مع نظام أقل قوة، وكمان هناك النوبيين أكثر بكتير جدًا وأكثر تنظيمًا وقوة، وسياسيًا النظام السوداني مغضوب عليه دوليًا والمعارك معاه هتكون أسهل.Image result for ‫النوبيين‬‎

الموضوع يا سادة هو موضوع معاناة عبر سنين طويلة قوي، تضحيات وبهدلة ومافيش كلمة شكر واحدة، إنما على العكس.. تهميش وإقصاء ونهب وتخوين وتعالي ومحو هوية وكل ما يمكن توصيفه بالبلدي بـ “قلة الأصل”، ياريت مانتقمصش ونكمل قراية.. وأنا واثق إنكم هتعذروني. سنة 1841م كانت أغلب مناطق شمال إفريقيا تحت احتلال الدولة العثمانية، ومحمد علي كان شادد حيله في مصر وبعت جيشه حاصر الأستانة.. إلى آخر القصة اللي انتهت بهزيمته أمام تحالف عالمي، وقتها صدر فرمان بترسيم الحدود المصرية بوصفها ولاية عثمانية، وكان الهدف هو تحديد ولاية محمد علي، وضمان توريثها لأبنائه من بعده، فجاءت الحدود الجنوبية لتقسم منطقة النوبة قسمين،

قسم مصري وقسم سوداني، لهنا ومافيش مشاكل فعلية واضحة حصلت. سنة 1899م كانت مصر والسودان تحت تاج أسرة محمد علي، وكانوا تحت سيطرة الاحتلال الإنجليزي، حيث تم تعديل الحدود مرة تانية تحت اسم “اتفاقية الحكم الثنائي”، وتمت بين حكومة بريطانيا العظمى والحكومة المصرية، وبمقتضى التعديل تم تحول بعض القرى من مصرية إلى سودانية، وقامت الحكومة المصرية بإلغاء اسم “مديرية النوبة” وضم ما تبقى من قرى نوبية إلى “مديرية أسوان”، وهنا بدأ العوء..

عائلات وأسر اتقسمت، واسم النوبة اختفى. سنة 1902م كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي، وكانت بريطانيا بتعتبرنا مزرعتها الكبيرة، فقررت الاستفادة من مياه الفيضان وتخزين أجزاء منها، قامت ببناء “خزان أسوان” اللي احتجز وراه مياه النيل بارتفاع 106م، فغرقت 10 قرى نوبية. 1912م زود الإنجليز ارتفاع الخزان فزاد مستوى المَيّه لـ114م، وغرقت كمان 8 قرى نوبية.

سنة 1933م تمت كمان تعلية للخزان ووصل ارتفاع المَيّه لـ121م، فغرقت 10 قرى نوبية. فترة الخزان بتعلياته عملت كوارث في القرى المصرية النوبية، أكتر من 25 قرية اتمسحوا من الوجود، أراضي ونخل وبيوت ومزارع ومدافن و… و… كل ده بلعه النيل بالكامل، وفضل الأهالي بدون أي مصدر رزق، وبدون تعويضات حقيقية، والأخطر بدون قرى بديلة يعيشوا فيها، وهنا بدأت الهجرات النوبية،

استوطن المواطنين دول أماكن يادوب تصلح للسكن بالعافية، وهاجر كل شخص قادر على كسب الرزق للشمال يدور على رزقه، ومن هنا بدأ يظهر في القاهرة والإسكندرية مواطنين سود بيتكلموا عربي مكسر وماعندهومش أي مقومات للحياة في المدينة، فعمل أغلبهم في أسفل السلم الاجتماعي، ومش بس ماكنش فيه أي مؤسسات حكومية أو أهلية لاحتوائهم، إنما كان فيه آلة سينمائية مريضة بالتنميط رسمت في دماغ المصريين -حتى الآن- أن أي أسود يبقى نوبي واسمه عثمان وبيتكلم بلكنة كوميدية وبيشتغل بواب أو سفرجي.

بعد الاستقلال عن الاحتلال البريطاني وطرد أسرة محمد علي، وفي سنة 1962م قررت الدولة السيطرة على كل مياه الفيضان لاستخدامها في الزراعة طوال السنة وتوصيل مياه الشرب للمواطنين وتوليد الكهرباء اللازمة للثورة الصناعية، بعد عبد الناصر ما قرر أن مصر هتقلب من دولة زراعية إلى دولة صناعية، وتم بناء السد العالي جنوب الخزان بهدف تخزين المياه حتى بمنسوب 183م، وبكده تغرق كل قرى النوبة الواقعة في الأراضي المصرية، بالإضافة لعدد من القرى النوبية الواقعة في داخل الأراضي السودانية.

المرة دي مش بس القرى غرقت، إنما عملية التهجير كمان كانت مخيفة، السربعة العسكرية في التنفيذ بدون دراسات كافية أدت لكوارث أغلبها تحمله الأهالي، فتم بناء القرى البديلة في مناطق صحراوية والبيوت نفسها اتبنت بالأسمنت، يعني تم بناء مقابر جماعية، وبالفعل خلال السنة الأولى من التهجير مات عدد كبير من كبار السن، بالإضافة إلى وفاة كل الأطفال حديثي الولادة، يعني بضربة واحدة تم القضاء على جيل يحمل الذاكرة وجيل يحمل الأمل.

أما عن التعويضات المزعومة فأحب أعرفكم أن تم تقدير النخلة بحوالي 180 صاغ، والبيت بحوالي 50 جنيه، وفدان الأرض ماحصلشي 150ج، والساقية أو البير اتقدر الواحد فيهم بحوالي 20ج بحالهم، والأرقام دي مش بس تضحك دلوقتي.. إنما زمان كانت أقل من القيمة الحقيقية للمفقودات بكتير، مش كده وبس.. كمان ماتمش صرفها كلها. كمان ولأن كل حاجة بسرعة.. بسرعة، تم حصر الأهالي على حسب الناس الموجودة في البلد وقتها، دون النظر للمهاجرين في الشمال بسبب الخزان وتعلياته، واللي طبعًا مالحقوش يرجعوا، بلاش ننسى أن في عصرنا الحالي المسافة من القاهرة لأسوان حوالي 14 ساعة، فطبعًا تم إغفال مواطنين كتير جدًا، وحتى اللي تم إحصاؤهم تم بخس حقوقهم..

والتمن البخس لم يتم صرفه بالكامل، وعاش بعض الناس في مخيمات أو عند أقاربهم لفترة، ورغم أن الدولة أغفلت حق مواطنيين كتير.. إلا إنها لم تتم بناء البيوت اللي هي اعترفت بيها. بعد كل التضحيات دي مايتكتبش عننا سطر في كل مناهج التعليم، واللغة النوبية اللي ساهمت في النصر الوحيد لقواتنا المسلحة يترفض الاعتراف بيها كلغة محلية، ومانشوفش ولا نسمع مزيكتنا ولا رقصنا في التليفزيون أو الإذاعة، ومافيش يوم في السنة يفكر الناس بينا وباللي عملناه لبلدنا. آدي حكايتنا يا سادة… يارب تكون المعلومة وصلت وعرفتوا إحنا زعلانين من إيه وعايزين إيه.

 

المصدر : اليوم الجديد

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com