الخميس , أبريل 25 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / عائلة ألمانية بدأت مع «صباح الخير» وتمتد جذورها إلى النوبة

عائلة ألمانية بدأت مع «صباح الخير» وتمتد جذورها إلى النوبة

برلين: اعتدال سلامة

لطالما سحرت أكسل صباح الخير، عندما كان طفلا، قصص والدته إنياس قبل النوم، فهي كانت تروي له عن جد جد جده أوغست صباح الخير، وما كان يملكه في الصحراء من جمال وخيام، وتحدثه عن قوته عند تصديه لمن يعتدي على قبيلته، وسقوطه صريعا عندما تصدى للجنود المصريين المحتلين لأرضه يومها. والقصص الخيالية التي كانت ترويها إنياس لطفلها ذي البشرة الداكنة في أربعينات القرن الماضي، هي لصبي أفريقي ولد من أعماق الصحراء، إلا أن قصة أوغست ليست خيالية وتعود إلى أواخر عام 1843، وتروي حكاية عائلة ألمانية جذورها تمتد إلى النوبة جنوب مصر، واندمج أحفادها في المجتمع الألماني رغم لون بشرتهم الأسمر.
وقصة الصبي صباح الخير اكتشفها المؤرخان الألمانيان غورش بيكن وزميلته كورنيليا كروسه بعدما شاهدا في المتحف التاريخي البرليني لوحة زيتية لافتة للنظر رسمها الفنان الألماني إميل دورستينغر عام 1890 لا تمثل ملكا من بروسيا أو أميرة ولكنها لزنجي بلباس ضابط بروسي يعانق زوجته الألمانية الشقراء وتحتها عبارة «الحب السعيد». مما يدل على أن ألمانيا عرفت منذ قرون طويلة أناسا غير أوروبيين وغير بيض البشرة ترعرعوا وأصبحوا جزءا من هذا البلد.

الأمير البروسي

الأمير البروسي

هدية من الباشا إلى الأمير البروسي

واعتمد المؤرخان في البحث على أرشيف الدولة البروسية ومذكرات الأمير البروسي ألبرشت فون بروسن، فكانت النتيجة غير متوقعة، فالرجل الأسود أصله نوبي من مصر واسمه صباح الخير، وقصته كما قصص الخيال بدأت عندما سافر الأمير ألبرشت فون بروسن شقيق الملك البروسي فريدريش فيلهم الرابع عام 1842 في رحلة طويلة إلى الشرق الأوسط، والتقى في القاهرة محمد علي باشا وكانت تربطه به صلة طيبة، فسهل له أمر الحصول على صبي نوبي كان اسمه صباح الخير كي يأخذه معه إلى ألمانيا البروسية كهدية، ولقد حالف الحظ هذا الصبي وكان عمره يومها لا يتجاوز السبع سنوات.
وحسب بحث المؤرخين الألمانيين، فمن المعتقد أن صباح الخير ولد في منطقة كردفان جنوب مصر، وينحدر من قبيلة نوبية مشهورة، وقتل والده خلال معركة ضد الجيش المصري الذي هاجم قبيلته، بعدها أخذ الصبي إلى القاهرة وألحق ببلاط الباشا. وعند زيارة الأمير ألبرشت فون بروسن للقاهرة أهداه الباشا الصبي مع صبيين آخرين. ولقد رافق صباح الخير الأمير في جولته في فلسطين وسوريا ولبنان إلى أن سافر إلى ألمانيا بحرا، وأصبح هذا النوبي بعدها ظل الأمير في تحركاته الأوروبية. وبسبب ما أظهره صباح الخير من أمانة وقدرة ذهنية، أهدته زوجة القيصر الروسي نيقولا الأول ساعة جيب ذهبية وكان عمره 14 عاما، وما زالت عائلة صباح الخير حتى اليوم تفتخر بها.
بعد إقامته في القوقاز برفقة الأمير البروسي، لبس صباح الخير عام 1864 ولأول مرة البزة العسكرية البروسية، وحضر الحرب الألمانية الدنماركية بعد توحيد ألمانيا، لكنه ظل خادما إلى جانب أميره في القيادة العسكرية فقط، بعكس عام 1866، حيث انخرط في فرق للمشاة في الحرب المسماة «كونيغ غرتس» في بلدة سادوفا في 3 يوليو (تموز) 1866 ضد الجيشين النمساوي والسكسوني، وقتل فيها من الجانبين أكثر من 400 ألف، وبسبب ما أبداه من شجاعة، تلقى وسام استحقاق.
بعد عام من انتهاء الحرب، تزوج صباح الخير من البرلينية آنا ماريا يونغ، وهي ابنة خياط. في الوقت نفسه أصبح خادم الأمير أوغست المباشر في قصره ببرلين، وحمل منذ ذلك الوقت اسم أوغست ألبرشت، واعتنق المسيحية، وأصبح له سكن خاص به في أحد الشوارع البرلينية الراقية.
رزق صباح الخير وآنا ماريا يونغ بولد اسمه غوستاف وابنة اسمها بيرتا شارلوته، في هذه الأثناء كان يرتقي في المناصب العسكرية. وفي عام 1870 أرسل للقتال في الحرب الفرنسية – الألمانية إلى جانب أميره ألبرشت، وشارك في ما يسمى «حصار ماتس»، وأيضا في معارك منها معركة أورليون، مما جعله يحصد كثيرا من الثناء والأوسمة العسكرية، منها وسام «الصليب الحديدي». وبعد وفاة الأمير ألبرشت عام 1872 إثر نوبة قلبية، ألحق بخدمة ابنه، حيث أشرف على ما تسمى «إدارة الفضة»، ووصل دخله السنوي إلى 600 مارك ذهبي، مما مكنه من شراء منزل خاص به، وهذا وفر له ولعائلته حياة مريحة. وفي عام 1876، ولأسباب صحية تقاعد بعد حصوله على آخر وسام استحقاق قدمه له. وقبل وفاته بثلاثة أعوام، أي عام 1882، نال الجنسية البروسية، فكان أول أسود ينال هذه الجنسية.
ولقد عايش الصبي النوبي أوغست صباح الخير أفضل زمن في ألمانيا؛ إذ إن ألمانيا البروسية كانت منفتحة على حضارات العالم، وقام كثير من أمرائها؛ من بينهم ألبرشت، بجولات في أصقاع المعمورة، وأيضا ببلدان في الشرق الأوسط، وعقد في هذا الزمن اتفاقيات عسكرية وثقافية كثيرة.
ومكانة عائلة صباح الخير تواصلت في ألمانيا البروسية مع الابن غوستاف الذي فضل الموسيقى على المشاركة في الحرب، فدرس في معهد الموسيقى ببرلين، وأصبح بعد ذلك أشهر قائد فرقة عسكرية، وعزف في بلاط القيصر. بعدها كانت له فرقة موسيقية خاصة به، فذاع صيته، وعزف في أول محطة إذاعة أنشئت في العشرينات ببرلين. ومثل والده تزوج من ألمانية في عام 1901 وهي غودرود برلينغ، ابنة مدرس في المدرسة الموسيقية، ورزق منها بصبيين؛ هورست وهربرت.
أوضاع غوستاف الاقتصادية الجيدة سمحت له بافتتاح مقهى في بلدة كونيغ أوسترهاوزن القريبة من برلين، وظل ناجحا حتى وفاته، وكان عمره 66 عاما، وذلك عام 1934، ولقد حزن القيصر الألماني فيلهم عليه، فأرسل لزوجته من منفاه في هولندا رسالة تعزية.
ومع تسلم النازية السلطة في منتصف الثلاثيات، بدأت عائلة صباح الخير تواجه مشكلات عنصرية، فأغلقت المقهى الذي افتتحته، وصنف هورست صباح الخير بوصفه خليطا ملونا من الدرجة الثانية، وأرسل للقتال في منطقة شمال القوقاز عام 1943، لكن فقد أثره قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما عايش شقيقه هربرت هزيمة النازية، ورزق بصبين وآخر غير شرعي اسمه زيغفريد، وكان أشقر الشعر مثل أمه، وأصبح هربرت مايسترو الفرقة الفنية في مانهايم وتوفي عام 1963.
ولأسباب لم تعرف، لم تخضع النازية عائلة صباح الخير النوبية لعملية تعقيم قسري مثل بقية الأقليات غير الآرية إلا أنها عانت من مشكلات عنصرية واقتصادية.
وأضاعت العائلة الاتصال فيما بينها، إلى أن بدأت إحدى الحفيدات واسمها أنجيلا في البحث عن أصولها العائلية، وأول اتصال لها كان مع المؤرخين بيكن وكروسه، واليوم يعيش الجيل الرابع من العائلة في ألمانيا، ومنذ عام 2006 يقام حفل للتذكير بغوستاف صباح الخير، لأنه كان أول أسود عمل على تحسين وضع الأفارقة في ألمانيا البروسية، وكانوا يجلبون كعبيد، وفي آخر احتفال في إطار «دياسبورا السود في ألمانيا» فوجئ حفيد حفيد حفيد أوغست الذي ولد عام 1940، واسمه أكسل، عندما شاهد لأول مرة صورة جد جد والده مع زوجته الشقراء.

 

المصدر : الشرق الاوسط 

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com