الخميس , مارس 28 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار / حوار| حجاج أدول: منْ يقترب مِن السلطة يحترق

حوار| حجاج أدول: منْ يقترب مِن السلطة يحترق

في حضرة الكاتب النوبي حجاج أدول، تشعر أنك أمام راهب معتكف فى محراب القضية النوبية، وإن قال غير ذلك! فما أن تبدأ بقراءة أعماله التى لا تناقش بشكل مباشر قصة النوبة تجد ظلالا لا مناص منها وحضورًا طاغيًا للعلاقة بين الشمال والجنوب؛ دائما هناك زائر آتٍ يقع فى أسر مدينة ما، مرة الإسكندرية ومرة النوبة ومرة القاهرة.. إلخ، زائر قادم مرة بالكراهية ومرة بقيم التسامح والمحبة، نفس العلاقة الشائكة وهى ملحمة كل الأزمان، ومحور كل الحروب والعنف، يقدمها حجاج فى صيغ مختلفة، آخرها روايته “كَدِيسة” التى أهداها لروح الشهيدة شيماء الصباغ.

حجاج ليس فقط روائيًّا استطاع بقوة طرح القضية النوبية فى وجه البطش ونظام مبارك، بل هو كاتب مسرح وقصة قصيرة، وعضو لجنة الخمسين لكتابة دستور 2014 ممثلا عن النوبة، وهى صفة لا يستطيع أى حوار مع حجاج تناولها خاصة أن مصر صارت تعانى دستورا معطلا.

فى هذا الحوار ينتقل حجاج بين الأدب والحياة والسياسة والدستور، الذى شارك فى كتابته، قائلا حين سألته كيف ترى تطبيق الدستور حتى الآن؟ “توجد محاولات لتطبيق الدستور كورقة كلينكس ورميها في القمامة”.

لا ينم هذا الرد إلا عن أننا نحاور كاهنًا زاهدًا، وبطلا ينتصر للحق وإن هاجمه البعض فإلى نص الحوار: الكاتب النوبي حجاج أدول

فى روايتك الجديدة ابتعدت تمامًا عن القضية النوبية، وإن كانت الرواية العلاقة بين الشمال والجنوب وتحمل روح القضية النوبية؟

– أغلب كتاباتي خارج النوبة، فأنا إنسان قبل أن أكون نوبيا مصريا.

 لكن ماذا عن علاقة الشمال بالجنوب وهى نفس العلاقة الملتبسة بين النوبة وشمالها؟

الحقيقة لا أقصد ذلك ولم ألحظه من قبل، لكن ما أريده هو أن تقدم رواياتى تجمعا خلاقا يحمل قيم الإنسانية والمحبة والسلام، لا بد من الإنسانية التى تجمع كل شتات، بدلا من الكراهية والعنف والحروب.

وإن تتبعنا قصص نمو المجتمعات فى أوروبا التى ظلت الحرب فيها مشتعلة بين فرنسا وإنجلترا مائة عام، وفى كل الدنيا نجد أن الشعوب لا تتقدم إلا بنبذ العنف وتقبل الآخر.

لماذا اخترت استخدام لغة معاصرة رغم أن الرواية تدور أحداثها فى زمن آخر حيث انتشرت طريقة مختلفة فى الكلام؟

الرواية تدور في تداخل أزمنة حتى العصر الحالي، فلا تصلح معها لغة عصر معين.

 لكن هل المقصود باستخدام اللغة المعاصرة إحالة القارئ للتطرف الحاصل الآن؟

 أعتقد أن التطرف مسيطر على كل الأزمان، وأتمنى أن يستخلص القارئ أن دائرة الكراهية ماضية والمحبة والسلام ماضية أيضا ولكن بالتداول، فالتطرف عبارة عن سوسة إن دخلت المجتمع تقوضه وتنخر عظامه، حتى تصل الحرب والكراهية إلى من ابتدعهما بالأساس، فمن يتشدد يأتى من يتشدد أكثر ونستطيع أن نرى هذا بين “النصرة” مثلا و”داعش” سوريا ، وبين مرسى والجهاديين الذين انتقدوه واتهموه بأنه لا ينفذ الشريعة!

يشعر القارئ أنها حدوتة كل زمان تبدأ بالتسامح والمحبة حيث تجد نفسك أمام إسكندرية أقرب إلى اليوتوبيا ثم التدهور والانزلاق إلى حفرة التطرف وكل ما هو كريه، فلماذا اخترت حقبة الغزو الصليبى؟

الغزو الصليبي في البداية فقط، وأيضا الغزو مؤشر على ما ترفضه الرواية وتحاول توطين التنوع والتسامح والمحبة وحرية الأديان وحرية المرأة، وكل القيم الإنسانية.. إلخ.

لكن الحالة التى تسود الرواية أقرب إلى اليوتوبيا، حتى إن بعض الشخصيات طيبة فى المطلق مثل كلود الثمين، هل حقا الإسكندرية عاشت فترات بلا تطرف؟

طبعًا فقبل عام 1952 كانت الإسكندرية أجمل مدينة تطل على البحر المتوسط ، فأى بلد يتقبل الآخر ويتحاور معه يكون فى ازدهار، وحين يرفضه ينتهى إلى رفض نفسه، حين لفظنا الآخرين دمرت الإسكندرية ماريا، حتى فى مدن المنصورة وأسوان كان هناك تنوع، وصارت القبلية هى المسيطرة وحروب بين العائلات وبعضها.

استخدمت فى “كديسة” كثيرًا من التعابير المعاصرة تشعر القارئ أنه أمام رواية ما يحدث الآن بدلا من أن يشعر بأنه عاد إلى الخلف، هل تجد روايتك تاريخية أم رواية معاصرة؟ 

هي كما قلت في البداية كوكتيل أزمنة لبيان ما أريد توصيله.. سحقًا للكراهية والحرب، وضرورة بث المحبة والسلام.

أى جيل أدبى تحسب نفسك عليه؟

لا أحسب نفسى على أى جيل أدبى، أغرد وحدى خارج السرب.

فى هذه اللحظة التى تعيشها مصر موقف المثقفين ملتبس وفيه الكثير من التضارب حول علاقة المثقف بالسلطة، هلا أوضحت لنا رؤيتك وموقفك من السلطة؟

من اقترب من السلطة احترق. ومن أيدها تأييد المستسلم الخانع، يهن على السلطة نفسها حتى وإن أمرت إعلامها بتلميعه، فهي تعلم أنه منافق. ويهان أيضًا من المجتمع فهو يعلم أنه منافق جبان. وإن تخفى في حياته فسيتم كشفه بعد مماته. دوري كأديب ألا يعجبني العجب وأستمر في نقد السلطة أملاً في الأفضل والأفضل، فما بالك ونحن في الأسوأ والأسوأ؟!

دور المثقف والأديب أن ينتقد ولكن ليس عمال على بطال، والمفترض أن نقف أمام السلطة إذا أخطأت فقط.

هل هناك أمل أن يتحرك المثقفون والنخبة دفاعا عن الدستور الذى كتبوه؟

الدولة تحاول تهميش الدستور، صحيح، لكن لا يجب أن نحمل أعضاء لجنة الخمسين وحدهم مسؤولية الدفاع، فالعبء يقع على الشعب كله. فلا يصح أن يتحول المثقف لناشط وهذا دور نضالى يقوم به ناس معينة.

كل ما يمكننى قوله فى هذه اللحظة إنه حين يتشكل مجلس النواب وتحصل مبادرات لتحطيم الدستور لا بد أن يكون لأعضاء اللجنة رد، فالدستور مواد خام لا بد أن تفعل عن طريق الشعب أولا وإلا تغولت السلطة التنفيذية أكثر وامتنعت عن تنفيذ الدستور بالكامل.

تعرضت للهجوم الضارى من بعض كتاب النوبة فكيف تحولت العلاقة وأصبحت ممثلهم فى الدستور؟

جيلي من الأدباء كانوا باهتين حتى ظهرت أنا ودفعتهم دفعًا للأمام. لم يكن موجودًا سوى إبراهيم فهمي فقط. ونحن بشر حتى لو كنا نوبيين. فألهبهم الحسد وحاولوا اغتيالي معنويًّا وفشلوا. وتبين لمصر أن أدّول كان على حق حين فجر القضية النوبية المسكوت عنها، وأيدته الأغلبية النوبية وحاولت أن تجعله زعيمًا وأن يترك الأدب. وأنا لم أمثل أدباء النوبة في لجنة الخمسين، أنا مثلت النوبيين.

هل استطاع دستور 2014 حل بعض مشكلات النوبة؟ وهل اتخذت الدولة موقفًا تجاه حق العودة أو دمج أهلها والتعريف بثقافتها؟ وهل زال جزء من الغموض فى موقف الدولة؟

حين يتم تطبيق الدستور على كل مصر، سوف يطبق على النوبة ويتم تنفيذ المادة 236 الخاصة بحق العودة. والنوبيون مندمجون بالفعل في المجتمع المصري، فنحن أصل من أهمِّ أصول مصر، فقط لنا خصوصية ثقافية ما. أما غموض الدولة تجاهنا فما زال العرض الغامض مستمرًّا.

قلت إن القضية النوبية قضية إنسانية فى المقام الأول أما الوجه العرقى فهو مرفوض بالنسبة إليك، هل ممكن توضح الفارق بالنسبة إليك بين ما هو عرقى وبين ما هو إنسانى من وجهة نظرك؟

البند الرئيس لأي قضية يجب أن يكون الإنسانية. ومنه تتفرع بنود جزئية مثل العرق، واللون، والدين، والجنس.. إلخ. الإنسانية أولا تحفز للتكامل الكلي في التنويعات. لكن إن وضعنا بندًا جزئيًّا كأساس دخلنا في العنصرية، وحفزنا التفرقة التي تؤدي للخراب وإسالة الدماء. تخيلي مثلا أن الانتماء في مصر فقط لدين ما، إذن عنصرية ضد الدين الآخر. لو اللون.. هنا عنصرية ضد بقية الألوان.. إلخ.

وفى رأيك موقف الشباب النوبى تسود عليه نظرة إنسانية أم عرقية؟

الشباب النوبي مثله مثل بقية شباب مصر عمومًا. حائر غاضب ثائر. وتزيد أوجاعه بآلامه النوبية، كما تزيد آلام الشباب المسيحي بآلامه المسيحية.

هل يمكن أن تعود للكتابة فى القضية النوبية؟

بالتأكيد، ادعي معي أن يهبني الله طول العمر والصحة.. آمين.

ما أقرب قضية قد تكتب عنها بخصوص النوبة؟

لا أريد أن أكتب عن التهجير لأنى كتبت عن التهجير فى مقالات وفى تسعة كتب، ولو كتبت عن النوبة سأكتب عن المجتمع الإنساني النوبى وفيه المرأة والرجل، فلا أريد أن أكرر نفسى ولا حتى أى كتّاب آخرين حين كتبت “كديسة” فهى بصمة حجاج التى لا تشبه أحدًا ممن كتبوا عن الإسكندرية ولن يقترب منها أحد، هكذا أريد لكتابى عن النوبة. فأنا أحب أن أكون متفردًا.

 

المصدر : التحرير 

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com